"المطامر" وصاحب رائعة "الدون كيشوت"
هل "مغيل سرفانطيس ،Cervantez" "مبدع رواية، مصارع طواحين الهواء "الدون كيخوتي دي لامانشا "، والتي أصبح بفضلها أشهر من نار على علم، وأيقونة الYبداع الأدبي في كل أقطار الدني ، له علاقة "بمطامر" المدينة العتيقة لتطوان ؟
بالرجوع إلى إحدى أعماله الإبداعية، والتي تدور أحداثها داخل قالب درامي منقطع النظير وعنوانها "قاضي الطلاق"، نجد أن الجواب جاء، على شكل العبارة التالية:
"como si por milagro se librase un cautivo de las mazmoras de tetuan
وتعني بالعربية "الأمر شبيه بحدوث معجزة، استطاع بفضلها سجين، الهروب من مطامر تطوان ".
السؤال المحير هنا، ما هي العلاقة التي تجمع صاحب رائعة "الدون كيشوت دي لامانشا" بحي "المطامر" بالمدينة العتيقة لتطوان؟، وكيف تمكن هذا الكاتب الكبير من تخليد اسم تطوان، على أعمدة أروع انتاجات الأدب العالمي، رغم عدم ثبوت زيارته لها، أو تواجده قط بها ؟
بالرجوع إلى المصادر العربية لا نعثر البتة عن أية إشارة أو تلميح من قريب أو بعيد تفيد بوجود علاقة بين الروائي "سرفانطيس" مؤسس وأب الرواية بمفهومها الحديث، ومدينة تطوان، وذلك لأسباب لا يتسع المجال لذكرها، باستثناء المجهود الكبير الذي قام به الأستاذ "عبد الرحمان الفاتحي"،أستاذ الأدب الاسباني بجامعة عبد المالك السعدي، بشراكة مع باحثين تابعين لمؤسسة أكاديمية اسبانية وازنة.
ولولا هذه الندوة العلمية التي نظمها هؤلاء الباحثون الاسبان، بتنسيق مع الأستاذ "الفاتحي" والتي يمكن اعتبارها بمثابة بداية خيط رفيع، تم من خلاله تسليط الضوء على "تيمة" مسار "سيرفانطيس" بتطوان، لكان هذا الموضوع برمته نسيا منسيا.
وفي هذا السياق يمكن القول أن "الكوميديا" الشهيرة "لسرفاطيس" والمعنونة بقاضي الطلاق "El juez de los divorcios" وردت فيها عبارة "مطامر تطوان "بصريح النص، كما أن الروائي المذكور تحدث عن سجن "المطامر" في عمل Yfداعي Nخر، تحت عنوان "السلطانة العظيمة "، في إشارة منه الى "الست الحرة" ملكة مدينة تطوان في تلك المرحلة.
وتأسيسا على ما سبق يمكن القول أن الوقائع التاريخية تؤكد أن "سرفانطيس" الذي منحه العالم لقب أول روائي في تاريخ البشرية ،لم يكتب عن "المطامر" من فراغ ،بل كان ابداعه انعكاس لتجربة واقعية جد قاسية ،عاشها كاتبنا الكبير، داخل أقبية "المطامر" بسجون قراصنة الجزائر، والتي بدورها تشبه "مطامر" تطوان.
واستنادا إلى المصادر التاريخية الاسبانية، فإن الروائي "ميكيل سرفاطيس"، وقع في أسر قراصنة شمال افريقيا، وتم إيداعه "بمطمورة" بالجزائر، حيث كان يسيطر هناك القرصان العظيم خير الدين "بربروصا "، بمساعدة أخيه المدعو القرصان "عروج".
وكان القرصان " بارباروصا"، الذي كان مسيحيا في الأصل، قبل أن يتحول للديانة الاسلامية، يتوفر على اعتماد رسمي من طرف الخليفة العثماني، الذي منحه لقب "باشا " لممارسة القرصنة بكل حرية، في عرض سواحل البحر الأبيض المتوسط، ضد جميع السفن الغير المسلمة، وكان هذا العمل تجارة رائجة ومدرة للدخل في ذلك الزمن.
وهكذا كانت سفن "الباشا القرصان " تقوم بتنفيذ غارات بحرية على جميع السفن الأوروبية بدون استثناء، لنهب حمولتها وأسر طاقمها، لإرسالهم إلى "مطامر" مدن، بجاية ووهران وكذلك إلى مرسى وادي مرتيل، حيث كانت "السيدة الحرة" بدورها تقوم بشراء هؤلاء الأسرى المسيحيين، لبيعهم من جديد إلى ملوك اسبانيا والبرتغال.
وبالرجوع إلى ذات المصادر الاسبانية، فإنها تؤكد أن كاتبنا "سرفاطيس" كان سجينا مشاكسا جدا، حيث حاول الفرار من "المطمورة "أربع مرات، لكنه كان دائما يتم اعتقاله من طرف قراصنة الجزائر، الذين يعيدونه إلى "المطمورة" تارة تلو أخرى، وبقي على هذا الحال، إلى أن قامت عائلته بدفع فدية مالية مقابل إطلاق سراحه.
بعد عودته إلى اسبانيا وكنتيجة لما راكمه من تجربة سجنية مريرة، وبفضل تعرفه على أهوال السجون التحت أرضية "المطامر" وقصص السجناء المسيحيين الذين كانت تعج بهم "مطامر" مدن شمال افريقيا، والذين ربما أخبروه عن تفاصيل "مطمورات" السيدة الحرة بتطوان، تفتقت قريحته ،وفاضت جداول دافقة، بإبداعات غزيرة خالدة، والتي من ضمنها "قاضي الطلاق "و"السلطانة العظيمة "la gran sultana "،وغيرها.
في الختام لا يسعنا الا أن نقول أن مدينة الحمامة البيضاء، مدينة لهذا الكاتب الأسطورة بالشئ الكثير، والذي رغم معاناة السجن، فقد استطاع تخليد اسمها واسم حي "المطامر" بالمدينة العتيقة، ضمن أروع وأرقى، ما أنتجه التراث الابداعي العالمي على مر العصور.
بريس تطوان
0 التعليقات:
إرسال تعليق