شخصيات غمارية من قبيلة بني زجل(2)
"محمد أثار"
. (حوار جريدة لاديبش مع
. المؤرخ الزجلي محمد آثار )
- يبدو أنكم اقتحمتم عالم البحث والكتابة التاريخية وتراجم الأعلام بمنطقة الشمال برغبة كبيرة في اكتشاف المجهول، فكيف كانت البداية؟
. كانت بدايتي الأولى مع الكتابة بصفة عامة محدودة كباقي تلاميذ جيلي وقتذاك، فكل ما كنت أكتبه من موضوعات لايتعدى موضوعات الإنشاء التي كنا نكلف بها ونحن في مرحلة الإعدادي والثانوي من طرف المدرسين، ولا شك أن هذه المرحلة كان لها الأثر الكبير في دخولي وغيري إلى عالم الكتابة والبحث والتنقيب والتأليف فيما بعد، وإن كنت أنسى فلا أنسى بعض الإرشاد الذي أسداه إليَ أساتذتي في تلك الآونة، فأهميته جاءت في مرحلة السن الغضة التي تستوعب بسهولة ما يأتيها ملخصا، بينا، واضحا، مشرقا، وكان على رأس أولئك الأساتذة أستاذي الجليل مؤرخ شفشاون، سيدي علي الريسوني، فقد شجعني على الكتابة ومواصلة القراءة، ورغم انقطاعي عن الدراسة ومغادرة مدينة شفشاون، فإن علاقتي بهذا الأستاذ المحترم لازالت إلى يومنا هذا، فبفضل توجيهاته النيرة وإرشاداته القيمة وإلحاحه المستمر علي من أجل الإستمرار في البحث والكتابة جعلني أواظب وأسير على هذا النهج، الأمر الذي دفعني الى محاولات شعرية متواضعةوغيرها كما أسلفت القول، ثم جاءت مرحلة ما بعد الدراسة، وهي مرحلة الإعتماد على النفس والتردد باستمرار على المكتبات والخزانات في مختلف المدن التي كنت أشتغل بها، أو زيارتها فمن عادتي كلما سنحت لي فرصة زيارة مدينة من المدن المغربية إلا وانتهزت الفرصة للإطلاع على محتويات مكتباتها، ثم العمل على الإتصال المباشر بالباحثين والمثقفين والتحاور معهم ومناقشتهم، فمنهم من يرشدني إلى المصادر والمراجع التي يمكن أن أستقي منها المعلومات التي أنا في الحاجة إليها، كما يهدونك إلى الطريقة التي يمكن أن تسير عليها في كتابة البحث، ومايسبق ذلك من خطة، ثم جمع المعلومات، ثم التنسيق بينها، واستخراج ما يمكن أن توحي به من أفكار، هذه هي السبل التي مررت بها في بدء الكتابة.
أما عن انتقالي من تنظيم القصائد الشعرية إلى كتابة التاريخ، فالحقيقة أنني كنت مولوعا بالتاريخ وأحداثه، فعلم التاريخ من أجل العلوم وأرفعها منزلة وذكرا وأنفعها عائدة وذخرا، واستحضر قول لسان الدين ابن الخطيب في هذا إذ يقول:
وبعد فالتاريخ والأخبــــــــــار فيه لنفس العاقل اعتبــــــــــار
وفيه للمستبصر استبصـــــار كيف أتى القوم وكيف صاروا
يجري على الحاضر حكم الغائب فيثبت الحق بسهم صائـــــــب
وينظر الدنيا بعين النبــــــــــــــــل ويترك الجهل لأهل الجهــــــل
وقال آخر:
ليس بإنسان ولا عاقل من لايعي التاريخ في صدره
ومن روى أخبار من قد قضى أضاف أعمارا إلى عمــــــــره
فبعد عودتي مباشرة من الصحراء المغربية اعتكفت على قراءة الكتب التاريخية بصفة عامة والمغربية والأندلسية بصفة خاصة، فضلا عن الكتب التاريخية المخصصة في تاريخ المنطقة الشمالية المغربية، أما عن كتابتي حول أعلام الشمال، فيجب أن يعلم القارئ الكريم، انني لم أكتف بالكتابة عن علماء هذه المنطقة دون غيرها، فقد تناولت حياة سيرة أعلام مغربنا الكبير من شماله وجنوبه وشرقه وغربه، ومن يقرأ جريدة " لاديبتش" سيضطلع على ذلك الكم الهائل من أعلام المغرب الذين كتبهم عنهم، بحيث لافرق عندي بين هذا أو ذلك، أما عن تخصيص فقرة خاصة بجريدة " صدى شفشاون" لأعلام غمارة، فهذا راجع إلى الجريدة المذكورة من الواجب أن تفرد لأعلام جهتها وهو جاري به العمل في مناطق المغرب.
- لا بد أنه كان هناك من الكتاب والمؤرخين الذين تأثرت بهم في هذا المجال، أقصد البحث التاريخين؟
. هل تقصد المؤرخين المغاربة أم المشارقة.
- هما معا؟
. بالنسبة للمؤرخين المغاربة الذين تأثرت بهم في هذا الميدان، فقد تأثرت بالمؤرخ المقتدير الأستاذ محمد بن عزوز حكيم، لأنه رجل وثيقة، ويملك منها 8 ملايين وثيقة حسب ما ذكر لي صديقي العزيز المسرحي " رضوان احدادوا" كلها تنصب حول تاريخ المنطقة الشمالية، فضلا عن تملكه ناصية اللغة الأجنبية، فقد ألف بها نحو 181كتابا، حول التاريخ والديبلوماسية والآداب والحضارة والتراث المغربي، وما يزيد على خمسين كتابا باللغة العربية في موضوعات شتى تتعلق أيضا بتاريخ المغرب وحضارته وتراثه، أما بالنسبة للشخصية التالية فهي هي مغربية وسيأتي الحديث عنها وشيكا.
لماذا الإهتمام بتاريخ المنطقة الشمالية عن غيرها؟ أليس هذا فيه نوع من التعصب والتحيز للمنطقة التي تنتمي إليها؟
. كثيرا ما يطرح علي السؤال في مختلف المنتديات واللقاءات التي احضر فيها، أو حتى في المقاهي، وغير بعيد، طرحه علي ضابط عسكري سام، حينما كنت بأكادير، فمما وجب علي أن أعرفه لك وللقارئ الكريم، أن مكتبتي المتواضعة تحتوي على عدد لا بأس به من الكتب التاريخية حول المناطق والمدن المغربية، من السمارة بالصحراء المغربية إلى طنجة، مما يدل على أنني لا أهتم فقط بجمع واقتناء الكتب المتخصصة في تاريخ المنطقة الشمالية دون غيرها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، إذا نظرنا إلى من سبقونا في هذا المجال قديما وحديثا، فسنجد علماء وفقهاء كبار ومؤرخين ألفوا حول مناطقهم ومدنهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد.
- العلامة عبد الرحمن بن زيدان المكناسي، له ستة مجلدات حول مدينته مكناس سماه " اتحاف أعلام الناس بجمال حاضرة مكناس" والمؤرخ الفقيه أحمد الرهوني له " عمدة الراوين في تاريخ تطاوين" في عدة أجزاء.
- والفقيه المؤرخ، محمد داود، له " تاريخ تطوان" في عدة مجلدات.
- وأحمد بلقاسم الزياني، له " تاريخ بلدة خنيفرة"
- وبنعلي محمد بوزيان، له " واحة فكيك تاريخ وأعلام".
- وأحمد بزيد الكنسياني، له تارودانت.
ونورالدين صادق، له تارودانت حاضرة سوس، إسهام متواصل في بناء الدولة المغربية منذ ما يزيد على 1200سنة.
- والبكاري عبد السلام، الإشارة والبشارة في تاريخ وأعلام بني مستارة.
- ومحمد بوجندار، الإعتباط بتراجم أعلام الرباط.
- ومحمد المختار السوسي، له المعسول، في مقدمة [ سوس العالمة] مجلدات، وايليغ قديما وحديثا، وخلال جزولة.
والأمثلة في هذا الجانب كثيرة تستحق وقت أكثر ومساحة أطول لذلك كل من ألف حول الجهة أو المدينة التي تنتمي إليها، فهل هؤلاء وغيرهم كانوا بدورهم عنصريون أو متحيزون لمواطنهم التي هي في الأصل المغرب، لا، ثم، لا.
- كيف استطعتم أن توفقوا بين عملكم الوظيفي العسكري، وبين الإشتغال بالبحث والكتابة؟
. السبب بسيط للغاية يكمن في شغفي الكبير بالقراءة والكتابة منذ الطفولة وإلى هذه اللحظة، بحيث لاأستطيع إطلاقا أن يمر وقت من حياتي دون أن أقرأ وأكتب فيه، وبدونهما أحس وكأني ضيعت يوما في ماهو تافه، وحتى إذا لم يسعفني الحظ على مطالعة كتاب أو الكتابة، أكتفي بالجرائد والمجلات، ثم النظر في الكمية الهائلة التي كانت تصلني يوميا من رسائل الزملاء من مختلف جهات المغرب ومن خارجه، فأنا دائما منكب على المطالعة وقلما تجدني لا أشتغل بها. وقد يفهم من كلامي أن هذا كان على حساب مهنتي، أبدا وإطلاقا فلم أكن أثناء مزاولتي للعمل أقدم على شيء من هذا القبيل، اللهم في حالات استثنائية فقط، وهي قليلة جدا، وقد تستغرب من أن المدة الزمنية التي قضيتها بهذه المهنة، كتبت فيها أغلب كتبي ليلا بالبيت، حيث لاأبرح مكتبتي المتواضعة إلا بعد الهزيل الأخير من الليل، وفي الصباح أكون متواجدا بعملي إلى جانب زملائي، وكما تعلمون أن طبيعة عملي فيما سبق تقتضي الحضور يوميا في الوقت المبكر وإلا..... وقد تقولون إن الإقبال على الكتابة في مادة ما يتطلب من الباحث الإنعكاف الطويل والمستمر على النظر في المصادر والمراجع والدوريات والجرائد وغيرها. وتنقل من مكتبة إلى أخرى ومن مدينة إلى غيرها، فهذا صحيح، وهكذا كان مخاطبكم هذا يشد الرحال من أجل ذلك من مدينة إلى أخرى قصد الحصول على ما ينشد كلما سنحت له الظروف بذلك.
---------
لمزيد من المعلومات زوروا الرابط التالي:
0 التعليقات:
إرسال تعليق